حوارالدكتورة جمانة الاعمى في جريدة المدينة

حوار صحيفة المدينة – ربا عبد العال

 

د.جمانة بنت يوسف الأعمى/ أستاذ مساعد واستشارية طب الأطفال و الأمراض الوراثية/ مديرة مركز الأميرة الجوهرة للتميز البحثي في الأمراض الوراثية، ورئيسة قسم طب الأمراض الوراثية بكلية الطب – جامعة الملك عبد العزيز ، زميلة الكلية الكندية للوراثة الطبية.

 

س 1 كم تبلغ نسبة الإصابة بالأمراض الوراثية في المملكة وما هي أكثر هذه الأمراض شيوعاُ ؟

 

تختلف هذه النسبة من دولة لأخرى ، مثلاً بصفة عامة يولد 3 أطفال لكل 100 باختلاف خلقي أو مرض وراثي مؤدي إلى إعاقة بدنية أو عقلية ولكن هذه النسبة ترتفع في كثير من دول العالم . ويرجع جزء من هذا الارتفاع إلى زيادة  نسبة زواج الأقارب . أما في الدول الغربية فأيضاً هناك التشخيص المبكر والوقاية من ولادة الأطفال المصابين في بعض الأحيان وأكثر أنواع الأمراض الوراثية انتشاراً في المملكة فهي الأمراض ذات الوراثية المتنحية خاصة الأمراض التي تؤدي إلي تكسر الدم وأمراض الإستقلاب والأمراض العصبية المختلفة . كما تكثر الاختلافات الخلقية العديدة العوامل مثل عيوب القلب والجهاز العصبي والجهاز الهضمي والفك وغير ذلك . كما أن نسبة الإصابة بالسرطان الوراثي وخاصة سرطان الثدي والأمعاء مرتفعة ولكن لا توجد إحصاءات كافية عن نوعية الوراثة في هذه الحالة إلا أنه يعتقد أنها خليط من الوراثة السائدة والمتعددة العوامل.

 

هناك نوعان من الإحصاءات: فالبحثية منها تظهر أن نسبة الأمراض الوراثية تراوح بين 3 و 5 في المائة، وهناك بحث خاص قمنا به هنا في المنطقة بناءاً على عدد كبير من مواليد المنطقة على مدى سنة و 3 أشهر وكانت النسبة 3.5 في المائة. فالسعودية ما زالت في المعدل الطبيعي. وقد قامت منظمة الصحة العالمية عام 2009 بعملية إحصائية أظهرت الدول بترتيب الإصابة بالأمراض الوراثية فظهرت السعودية بنسبة 7 في المائة وهي أعلى من نتيجة أبحاثنا وكانت أعلى نسبة إصابة في دولة السودان الشقيق.

 

س 2 برأيك ما هي ابرز الأمراض الوراثية الصعبة الشائعة أو النادرة التي قد يتوجب فيها منع الزواج أو الإنجاب تفادياً لعدم إنجاب طفل مصاب بها ؟

 

لدينا الكثير من الأمراض وعلى رأسها مجموعة أمراض الدم الوراثية ومجموعة الميتابولك أو ما يخص العمليات الكيميائية أو ما يعرف بالأيض، والأمراض الوراثية التي تصيب الجهاز العصبي. أما تحليل ما قبل الزواج فهو يفحص نوعين من الأمراض وهي الأمراض الوبائية كأمراض الكبد والإيدز وأمراض تكسر الدم الوراثية وهي الأنيميا المنجلية وأنيميا حوض البحر الأبيض المتوسط.. ومن المهم التوضيح أنه إذا كان تحليل ما قبل الزواج سليماً فهذا يعني أن المقبلين على الزواج لا يتوقع إصابة أطفالهما بهذه الأمراض التي تم التحليل لها ولكن لا يعني خلوهم من بقية الأمراض الوراثية، مثل أمراض الأعصاب الوراثية أو أمراض الجهاز الهضمي على سبيل المثال.

ولا نرى التدخل القهري في منع الزواج في أي حال، ولكن التثقيف ونشر الوعي وتوفير الإرشاد الوراثي الصحيح المتكامل الذي يمكن معه اتخاذ القرار المناسب لكل أسرة.

 

س 3 ما هي ابرز الأمراض الوراثية في المملكة التي يعتبر زواج الأقارب من أهم أسباب حدوثها ؟

بصفة عامة فإن زواج الأقارب يزيد من احتمالية مجموعتين من الأمراض: الأمراض الوراثية التي تنتقل عن طريق الوراثة الجينية المتنحية، مثل مرض الثلاسيميا والأنيميا المنجلية وغيرهما.

  وإن طفرة الأنيميا المنجلية موجودة لدى 20 – 30 في المائة من سكان المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية مما يؤدي إلى وجود مرضى يعانون من فقر الدم المنجلي بنسبة 1.5 – 2 % من السكان.

أما المجموعة الأخرى التي تكثر في أبناء الأقارب: فهي الأمراض المتعددة العوامل مثل الاختلافات الخلقية كالشفة الأرنبية مثلاً وعيوب القلب وغيرها أو الأمراض متعددة العوامل التي تظهر في الكبار مثل مرض السكري.

 

س 4 هل يعتبر التوحد مرض وراثي أم خلل جيني وهل هناك أبحاث مهتمة بمرض التوحد في المملكة ؟

لا يوجد سبب معروف لهذا النوع من الإعاقة، لكن الأبحاث الحالية تربطه مع عدة عوامل مثل: الاختلافات البيولوجية والعصبية للمخ، وتناول العقاقير الضارة أثناء الحمل، وملوثات البيئة مثل المعادن السامة كالزئبق والرصاص، وغيرها من العوامل إضافة إلى بعض الأسباب الوراثية.

وبالرغم من الدراسات الكثيرة حول هذا الموضوع إلا أنه لم يتم تحديد جين واحد مسبب ولكن تفاعل مجموعة من المورثات مع بعض العوامل البيئية.

ويقوم حالياً بعض الطلبة بدراسة الأسباب المؤدية إلى التوحد في شريحة من الأطفال السعوديين تحت إشراف مركز الأميرة الجوهرة للتميز البحثي في الأمراض الوراثية.

 

س 5 بصفتك مديرة مركز الأميرة جوهرة للتميز البحثي في الأمراض الوراثية ما هي أخر الأبحاث التي توصلتم لها وما هي أكثر الأمراض الوراثية التي يركز المركز للبحث فيها في الوقت الحاضر؟  

الأبحاث عدة، منها ما يتعلق بمدى فاعلية فحص ما قبل الزواج والعوائق التي تعترضه، وأبحاث عن أنواع الاختلافات الخلقية لدى المواليد والأطفال إضافة إلى أبحاث خاصة بمتلازمات محددة مثل داون ونونان والترهل الجلدي لدى الأطفال.

وقد أنشأ المركز عدة وحدات بحثية منها وحدة مشروع الفاريوم البشري العالمي الذي يهدف إلى إنشاء قاعدة بيانات جينية تخدم الفرد السعودي، ووحدة دراسة المؤثرات البيئية على حيوانات التجارب في مرحلة الأجنة، وتقوم هذه الوحدة بدراسة وتقييم تأثير تعرض الأمهات لملوثات البيئة المختلفة والموجودة في البيئة السعودية، سواء كانت ملوثات هوائية أو ملوثات مائية أو ملوثات أطعمة، وذلك أثناء فترة ما قبل الحمل أو أثناء الحمل على نمو وتطور الأجنة في حيوانات التجارب و اكتشاف أي عيوب خلقية، سواء كانت شكلية أو تركيبية أو وظيفية في الأجنة والمواليد، ومحاولة تتبع المواليد في المراحل الأولى من الطفولة؛ لاكتشاف ظهور أي مشاكل صحية نتيجة تعرض الأمهات لهذه الملوثات. ويشرف عليها فريق متكامل من أخصائيي علم الأجنة بالتعاون مع استشاري الأمراض الوراثية والاختلافات الخلقية.

لقد شكّل مركز الأميرة الجوهرة للتميز البحثي في الأمراض الوراثية نموذجاً لعطاء جامعة الملك عبد العزيز بكل تاريخها ومشوارها العريق برؤيتها التي تمتاز بالتكامل والشمولية، حيث أن المجال البحثي من أهم المفاصل التي تقوم عليها الجامعة.

ولذلك فقد استقطب المركز العديد من الكفاءات الوطنية والعالمية في مجال البحث العلمي في الأمراض الوراثية .

وهناك وحدة الأبحاث الجينية  ، التي تنظر إلى مسببات الأمراض الوراثية لدى السعوديين وغيرهم ومن الأمثلة: المشروع العالمي لمرضى السكر من النوع الثاني والتقنيات البحثية لاكتشاف الجينات المسببة له و أبحاث الأسباب الوراثية لأمراض الكلى في الأطفال. وكذلك السباب الوراثية لاضطرابات القلب التي قد تؤدي إلى الموت المفاجئ.

ونتيجة لهذا التطور في مجال التأسيس للأبحاث في مجال الأمراض الوراثية فقد كان للمركز إنجازات عديدة تحدثت عنها وسائل الإعلام المحلية والعالمية.

فلقد تم نشر ورقة علمية عن الخطوات الأولى في مشروع الفاريوم البشري، وكذلك بحث عن أحد الأمراض الجلدية الوراثية النادرة وأسبابه الجينية حيث تم نشره في مجلة علمية عالمية.وقد قمنا بدراسة عن أسباب الاختلافات الخلقية لدى حديثي الولادة.

 وقد فاز عضوان من المركز (الأستاذة الدكتورة جميلة قاري والدكتورة جمانة الأعمى) بجائزة التميز في مجال النشر العلمي للعام الجامعي 1429/1430 حيث تم تكريمنا من قبل معالي مدير جامعة الملك عبد العزيز الأستاذ الدكتور أسامة بن صادق طيب  خلال الحفل السنوي لجوائز التميز في البحث العلمي الذي أقامته عمادة البحث العلمي في جامعة الملك عبد العزيز وذلك يوم الثلاثاء 22/11/1430 هـ لتكريم الفائزين والفائزات بجوائز البحث العلمي.

 

س 6 ما هي أخر المستجدات في علم الهندسة الوراثية وتصحيح الجين المسبب للأمراض الوراثية كالمتلازمات وغيرها  ؟

بالرغم من السنوات الطويلة في إجراء الأبحاث التي تهدف إلى إيجاد حل لتغيير الطفرة المسببة للأمراض الوراثية إلا أن العقبات كثيرة. وقد تم التوصل إلى العلاج باستخدام الجين البديل في أحد أمراض ضعف المناعة الطبيعية وسرعان ما تم منعه حيث ظهرت بعض المضاعفات الشديدة التي أدت إلى وفاة أحد الأطفال المعالجين. ولا زال العمل مستمراً لإيجاد الحل الجذري لاستبدال الجين المصاب بجين سليم عن طريق استخلاص الجين السليم أو تصنيعه ثم زرعه في ناقل يمكنه التداخل مع نواة خلايا المصاب حتى يتكاثر فيها.

ومن المعوقات لمثل هذا العلاج صعوبة الوصول إلى العضو الذي يحتاج العلاج في بعض الأحيان وكذلك تصنيع كميات وفيرة من الجين خاصة وأن دورة الحياة الطبيعية لكثير من الخلايا تقضي إلى تبدل الخلايا القديمة بأخرى حديثة ويستدعي هذا إعادة العلاج بصورة متكررة، وأخيراً إيجاد الناقل المناسب، ولذلك فإن الأبحاث الجارية حالياً تبحث عن طرق مبتكرة لتجنب جميع هذه العقبات ، وسيحقق إيجاد العلاج الجيني المناسب المتكامل ثورة في علاج الأمراض الوراثية.

س 7 ما هي التأثيرات العكسية المستقبلية التي تحدث للطفل المصاب بمرض وراثي في حالة عدم تشخيصه وعلاجه بصورة مبكرة ؟

التشخيص المبكر سواء أثناء فترة الحمل أو بعد بوقت قصير من الولادة يمكن أن يفيد الطفل كثيراً من حيث التدخل المبكر وتفادي المضاعفات ووضع خطة للمتابعة والعلاج. وهو يفيد أيضاً في وضع مخطط التأهيل والدراسة في حالة الأمراض التي تؤثر على الفهم والإدراك. كما أنه مهم لمساعدة الأسرة في التخطيط للحمل المقبل.

 

س 8 برأيك إلي أي مدى أصبح الاهتمام والوعي بالمرض الوراثي من حيث البحث العلمي والتشخيص والعلاج في المجتمع السعودي ؟

نلمس في السنوات الأخيرة زيادة تدريجية بطيئة بالوعي بالأمراض الوراثية، ولكنها أقل من المستوى المطلوب فلا زال هناك الكثير ممن يتزوجون بالرغم من أن نتيجة تحليل ما قبل الزواج تحذر من عدم التوافق ،كما أن الكثير من السيدات تهمل التخطيط للحمل والمتابعة أثناء الحمل. كما أن زواج الأقارب ما زال في تزايد. وكل هذه العوامل يمكن أن تزيد من نسبة الأمراض الوراثية والاختلافات الخلقية ، بل وعلى العكس يمكن الوقاية من الأمراض لو كان هناك وعياً أكبر.

 وأيضاً من العوامل الاستمرار في الحمل والولادة بعد تقدم سن الوالدين مما قد يؤدي إلى ولادة أطفال مصابين باختلافات في أعداد الكروموسومات.

وقد قمنا بإجراء بحث يدرس أسباب الاستمرار في الزواج بالرغم من عدم التوافق في نتيجة تحليل ما قبل الزواج، ويبدو من النتائج أن ذلك يرجع لعدة أسباب منها إجراء التحليل في فترة متقدمة (أي قبيل الزفاف وقد شرع العروسان بجميع التجهيزات) وكذلك عدم توفر الاسترشاد الوراثي الوافي قبل التحليل وعدم الدراية بحقيقة عواقب تجاهل النتائج.


آخر تحديث
6/30/2010 1:22:30 AM