حوار الدكتورة جمانة الاعمى في جريدة الاقتصادية

حوار: نوير الشمري من الرياض

 

تؤمن الدكتورة جمانة  يوسف الأعمى رئيس قسم طب الأمراض الوراثية في كليــة الطــب و مديرة مركز الأميرة الجوهرة للتميز البحثي في الأمراض الوراثية في جامعة الملك عبد العزيز في جدة, برؤية الدكتور زويل الحائز على جائزة نوبل للعلوم  القائلة" أننا نكون قد حققنا معنى الثقافة الصحية عندما يفهم كل شخص في المجتمع ما هو الحامض النووي المكوَن للجينات و ما تأثير ذلك على الحياة و الصحة", وتعمل جاهدة لإيصال أفضل ما توصلت إليه أبحاث الجينات لتخدم كل أسرة سعودية في حياتها اليومية.

حصلت الدكتورة الأعمى على  زمالة الكلية الملكية البريطانية في طب الأطفال في بريطانيا و البورد السعودي وزمالة الكلية الكندية للوراثة الطبية في علم الجينات الإكلينيكي وتلقت العديد من البرامج التدريبية والاكلينكية في جامعات ومستشفيات في بريطانيا وأمريكا وكندا وتقلدت العديد من المناصب الطبية المهمة بعدما أسست أول عيادة للأمراض الوراثية في المنطقة الغربية عام 2005 .

اختارتها جامعة الملك عبد العزيز في جدة لتترأس مركز الأميرة الجوهرة للتميز البحثي في الأمراض الوراثية وهو أول مركز متكامل يهتم بالأمراض الوراثية ويشارك من خلال فريق عمل متطور في مشاريع عالمية في علم الجينات والذي سيطلق مشروعا هو الأول من نوعه  لفك الشفرة الجينية للسعوديين" الفاريوم " كما أكدت لنا خلال حوار مع "الاقتصادية " وفيما يلي نص الحوار :

 

متى فكرت بإنشاء عيادة للأمراض الوراثة في المنطقة الغربية  ؟

خلال فترة تدريبي بكندا في طب الأمراض الوراثية راودتني أفكار ومخاوف حول عملي في المملكة عند عودتي . فهذا التخصص له خصوصيات وسمات تختلف عن غيره .. كما انه من التخصصات الحديثة نسبيا حتى في الغرب . أيضا التطبيق الصحيح يحتاج إلى تحاليل مكلفة وكثيرا ما تكون نادرة .. والاسترشاد الوراثي بطبيعته يحتاج إلى وقت طويل لكل أسرة.

عندما أنهيت التدريب واجتزت الامتحانات اختلط الشوق لوطني بالخوف من المسؤولية التي ألقيتها على عاتقي . لكن مع بداية العمل تبدل الخوف والحمد لله إلى حماس لنقل ما تعلمته . وقوبلت جهودي بتعاون كبير من المستشفى الجامعي بإدارة الدكتور عدنان المزروع – آنذاك– واحتضان لأفكاري , فأسست أول عيادة للأمراض الوراثية في يناير 2005 م . وتجاوب الزملاء بتحويل المرضى من مختلف أقسام المستشفى إلى العيادة . وما هي إلا أشهر حتى كانت الخطوة الثانية إنشاء وحدة الأمراض الوراثية , التي استهدفت متابعة المصابين وذويهم , وتوفير الاسترشاد الوراثي , والتواصل مع مراكز التأهيل . وسرعان ما بدأ تحويل المرضى من المستشفيات الأخرى في جدة والمراكز التأهيلية , حيث أصبحت مرجعا للمنطقة الغربية فتوافدت الاستشارات من مختلف القرى والمدن المجاورة وحتى منطقة عسير .

 

كيف تولدت فكرة إنشاء مركز الجوهرة للتميز البحثي في الأمراض الوراثية  ؟

إن (( مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة )) كما تقول الحكمة , وهانحن – بحمد الله – سرنا عدة خطوات على المسار الصحيح , وندعوه سبحانه أن يوفقنا لإكمال مسيرة العلم والعطاء لهذا الوطن العزيز ، فعندما اتضح اهتمام الكثيرين بهذا التخصص لمعرفة المزيد عن حالات أبنائهم وكيفية التعامل معها والوقاية من الإصابات المستقبلية .ولحاجة مجتمعنا إلى الوقاية بتعريف مشكلاته المتعلقة بالأمراض الوراثية , تقدمنا بمقترح بحثي دعمته عمادة البحث العلمي بالجامعة , وذلك لعمل مسح لنوعية المشاكل الصحية الوراثية في المنطقة , ومن ثم وضع التوصيات للحد من انتشارها . وعلى هذه الدعامة وبناءاً على نتائج الأبحاث الأولية قمنا بعمل مقترح لإنشاء مركز التميز البحثي في الأمراض الوراثية .

بعد التحكيم العلمي ومساندة  مدير الجامعة أ. د. أسامة طيب و وزير التعليم العالي د. خالد العنقري , تبنت سمو الأميرة الجوهرة بنت إبراهيم البراهيم الفكرة بتبرعها السخي لإنشاء المركز , وقمنا بوضع الخطط البحثية الإستراتيجية , واستقطاب الكفاءات السعودية وتوفير أحدث التقنيات الحديثة , كذلك عقد الاتفاقيات الدولية مع المراكز العالمية المتخصصة لننهض بالأبحاث في هذا المجال و ليكون أول مركزٍ متكاملٍ للأمراض الوراثية في المملكة، و يتميز بالشمولية حيث يشمل إجراء الأبحاث المتميزة في هذا المجال، وتدريب الكوادر السعودية على مختلف المهارات الخاصة بكل من الأبحاث الوراثية و الرعاية الصحية ذات العلاقة ، والعمل على الحد من انتشار هذه الأمراض إضافةً إلى رعاية المرضى وذويهم.

ما آلية عمل المركز للحد من انتشار الأمراض الوراثية في المملكة ؟

 من خلال عدة طرق اعتمدنا عليها كأهداف وتتمثل في التشخيص المبكر للأمراض الوراثية للتمكن من تقليل المضاعفات، تمكين بعض الأشخاص الحاملين للأمراض من إنجاب أطفال أصحاء بإذن الله باستخدام التقنيات الحديثة،  تقديم رعاية متكاملة لبعض المصابين بالأمراض الوراثية،  التثقيف الصحي الخاص بالأمراض الوراثية و طرق الوقاية لأفراد المجتمع خاصة بين المقبلين على الزواج،  تطوير تحاليل ما قبل الزواج و تحاليل حديثي  الولادة بناءاً على الأمراض الأكثر شيوعاً، تدريب الكوادر السعودية في الاسترشاد الوراثي و رعاية مرضى الأمراض الوراثية، اكتشاف طفرات وراثية و جينية لبعض الأمراض الوراثية الشائعة في المنطقة.

ما هي نسبة الإصابة بالأمراض الوراثية ؟

 تختلف هذه النسبة من دولة لأخرى . مثلاً في الدول العربية بصفة عامة يولد 3 أطفال لكل 100 باختلاف خلقي أو مرض وراثي مؤد إلى إعاقة بدنية أو عقلية ولكن هذه النسبة ترتفع في كثير من دول العالم . وقد دلت آخر إحصاءات أن النسبة في المملكة تتراوح ما بين 7-8% وهذا الرقم يفوق ضعف المعدل العالمي . ولم يسبق المملكة في هذه النسبة المرتفعة إلا دولة السودان الشقيق . ويرجع جزء من هذا الارتفاع إلى زيادة  نسبة زواج الأقارب . أما في الدول الغربية فأيضاً هناك التشخيص المبكر والوقاية من ولادة الأطفال المصابين في بعض الأحيان وأكثر أنواع الأمراض الوراثية انتشاراً في المملكة فهي الأمراض ذات الوراثية المتنحية خاصة الأمراض التي تؤدي إلي تكسر الدم وأمراض الإستقلاب والأمراض العصبية المختلفة . كما تكثر الاختلافات الخلقية العديدة العوامل مثل عيوب القلب والجهاز العصبي والجهاز الهضمي والفك وغير ذلك . كما أن نسبة الإصابة بالسرطان الوراثي وخاصة سرطان الثدي والأمعاء مرتفعة ولكن لا توجد إحصاءات كافية عن نوعية الوراثة في هذه الحالة إلا أنه يعتقد أنها خليط من الوراثة السائدة والمتعددة العوامل

 

 

وصفت المركز بالشمولية كونه يقدم خدمات صحية إلى جانب الأبحاث العلمية،ما هي هذه الخدمات ؟

يقدم المركز العديد من الخدمات الصحية المجانية المتعلقة بالأمراض الوراثية، وذلك من خلال:عيادة الأمراض الوراثية: يتم فيها استقبال الحالات المحولة من مختلف أقسام المستشفى الجامعي مثل طب الأطفال والنساء والولادة والعظام والعيون والأنف والأذن والحنجرة وجراحة الأعصاب وغيرها، بالإضافة إلى الحالات المحولة من المستشفيات الأخرى في المنطقة ، وكذلك المناطق المجاورة، ويتم فيها تشخيص الحالات الوراثية لجميع المراحل العمرية.

وعيادة متلازمة داون وهي أول عيادة من نوعها في المملكة تأسست منذ نهاية عام 2005 حيث تم تأسيسها على طراز عيادات داون الموجودة في شمال أمريكا و يتلقى فيها المريض بزيارة واحدة جميع الخدمات من فحص الأطفال والاسترشاد الوراثي والمتابعة لمنع المضاعفات وفحص العيون والأذن والقلب وزيارة أخصائية التغذية والأخصائية الاجتماعية مع فرص التثقيف عن المرض ومقابلة المصابين الآخرين وذويهم، وكذلك ربطهم بمراكز التأهيل ومساعدتهم للالتحاق بها.

 

هل هناك خدمات خاصة بالمقبلين على الزواج أو ممن لديهم أمراض وراثية؟

يقدم  المركز من خلال وحدة الاسترشاد الوراثي خدمات للأسر التي تحتاج لاسترشاد وراثي مفصل، ومن ذلك المقبلين على الزواج، وخاصة في ظل وجود زواج الأقارب والأسر التي تنوي القيام بــ (PGD) وهي عملية التلقيح الصناعي بعد اختيار النطفة الغير مصابة بالمرض الوراثي في أسرة ما وكذلك الاسترشاد الوراثي في حالة الأسر التي تحتاج لإجراء تحاليل جينية للعينات بالإضافة لعمل مواعيد مراجعة بعد الوفاة  لمن توفي لهم طفل بسبب مرض وراثي؛ ليتسنى لهم معرفة سبب الوفاة واحتمال الإصابة في حمل آخر، بالإضافة إلى طرق الوقاية وغير ذلك.

أما عيادة متابعة الحمل فتتخصص بمعاينة السيدات اللاتي يكشف فحصهن عن حمل طفل مصاب بعيوب خلقية، وذلك يعطيهن الفرصة للاستفادة من الاسترشاد الوراثي في مرحلة مبكرة وإعدادهن نفسياً للتعامل مع الجنين وكذلك إعطائهن الفرصة لأخذ الإجراءات اللازمة حيال ذلك.

 إلى ماذا يهدف  مشروع " الفاريوم  السعودي" الذي يعتزم المركز إطلاقه على اثر مشاركة لك في محاضرة عن دور المملكة في اكتشاف الفاريوم البشري في المؤتمر العالمي " مشروع الفاريوم البشري"  في اسبانيا في نهاية عام 2008؟

 

يعتزم مركز الأميرة الجوهرة للتميز البحثي في الأمراض الوراثية تنفيذ مشروع دراسة الفاريوم  السعودي  من خلال إقامة مجموعة عمل تمثل دور المملكة في فك شفرة الفاريوم البشري ضمن الدول الأخرى، ويأتي مشروع الفاريوم كخطوة متطورة لمشروع الجينيوم الذي تم اكتشافه في العقد الماضي ، وتكمن أهمية المشروع في التعرف على الطفرات الجينية لدى السعوديين بدلاً من الاعتماد على نتائج دراسات الغرب والتي تجرى على مصابين قد يكون لديهم طفرات مختلفة ، مما يمهد مستقبلاً لإنتاج أدوية تتلاءم مع طبيعة الأمراض الوراثية للمصابين في المملكة بإذن الله .

واستضاف مركز الأميرة الجوهرة للتميز البحثي رئيس هذا المشروع العالمي  أ.د.  ريتشارد كوتون في مارس 2009 حيث قام بإلقاء المحاضرات عن هذا المشروع العالمي وكذلك عقد ورشة عمل لشرح كيفية مشاركة المركز في المشروع وفتح باب التعاون للمراكز البحثية والمستشفيات التعليمية الأخرى في المنطقة . وقد أشار سعادته إلى المحاضرة التي قدمتها في المؤتمر العالمي الذي أقيم في مدينة كوستا برافا الاسبانية والتصور الذي رسمته لهذا المشروع الهام . كما كنت قد شاركت معه في عدة دول أخرى بورقة علمية تم نشرها في أحد المجلات العلمية. وقد دعيت لإعطاء محاضرة أخرى في المؤتمر القادم لمشروع الفاريوم البشري والذي يعقد في باريس بعد عدة أشهر بإذن الله .

كما سيتم إنشاء مجموعات عمل أخرى تعني بأبحاث أخرى في مجال الأمراض الوراثية على صعيد محلي وعالمي . وقد تمت بعض الاتصالات المبدئية مع عدة مراكز عالمية .

 

هل من كلمة أخرى تودين إضافتها؟

أود أن انتهز هذه الفرصة لأشكر صاحبة السمو الأميرة الجوهرة بنت إبراهيم البراهيم, أميرة العلم والعطاء التي لا تألو جهدا في مساندة كل ما من شأنه الارتقاء بالمجتمع السعودي على دعمها السخي ماديا ومعنويا كذلك والتشجيع المستمر من سموها وسهولة التواصل معها. كما أشكر الداعمين اللذين ساهما في تحويل الحلم إلى حقيقية كل في مجاله , معالي وزير التعليم العالي ومعالي مدير جامعة الملك عبد العزيز.

 

 

 

 


آخر تحديث
6/30/2010 1:18:45 AM